وأفادت وکالة مهر للأنباء أن في الذكرى الأولى لإستشهاد القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني و كوكبة من رفاقه أقام المؤتمر الدولي لمحبي أهل البيت (ع) سلسلة الندوات الإكترونية للبحث عن مدرسة الحاج قاسم سليماني و في السياق ذاته ألقى الإعلامي المسيحي اللبناني سركيس الشيخا الدويهي كلمته تحت عنوان ” الحاج قاسم سليماني والمقاومة في لبنان، عطاء و امتنان القائد الشهيد بعَينَي مسيحي من لبنان” كما يلي:
إلى سليماني مع حبّي
حاجّ قاسم،
أنّى لقلمي المتواضع أن يرتفع إلى قمّتك الشّاهقة؟ فكم نحن صغار، إلى قربك، أيّها الكبير! إنّك البطل المقدام والشّهيد العظيم.
أكتب عنك، وقد استبدّ بنا الحنين إليك، واشتدّ بنا العطش إلى شجاعتك، فيا ليتك تهبّ إلينا من دنيا خلودك، لتمسح دموعنا بكفّيك، وتعزّي قلوبنا بابتسامتك.
نسير على خطاك، فنستمدّ منك قبسًا يُشعل فينا زيت المقاومة، ومطرًا يُنبت في قلوبنا عشق فلسطين. وإذا كان النّاس قد فسّروا إخلاصك على غير ما أردتَ، فلا عليك يا فارس الشّهداء، إنّ كلّ شيء في الحياة ممكنٌ إلّا إقناع الحاقدين.
ما كنت بالإرهابيّ، ولا كنت بالمتآمر، فهناك ألف دليل على أنّك دافعت بإخلاص عن بلادنا العربيّة، وحاميت بتفانٍ عن المستضعفين والمظلومين فيها، ووقفت بشجاعة في وجه الاستكبار والإجرام الأمريكيّ والإسرائيليّ، وقاتلت بضراوة تنظيم “داعش” الإرهابيّ والجماعات التّكفيريّة، ودعمت بسخاء المقاومة، وساندت بمحبّة أبطالها في السّاحات والميادين.
عرفناك مثالًا فذًّا في الإنسانيّة والبطولة، والإنسانيّون الأبطال يحبّون أن يخاطبهم النّاس إلى القلب، بلا تكلّف، فاقبل منّي هذه التّحيّة، فأنت عظيم حقًّا، ومن حقّك على كلّ قلم مقاوم مخلص أن يفيك حقّك.
لقد كنت قائدًا حكيمًا وبطلًا حقيقيًّا، أعظم من المتاعب وأكبر من الصّعوبات، فعلّمتنا أن نثبت في ميادين القتال وساحات الجهاد في سبيل الأمّة الجريحة، والأوطان السّليبة، والكرامة النّازفة دمًا، فردّدنا وإيّاكَ مع الحسين (عليه السّلام) بطل كربلاء:
“سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى
إذا ما نوى حقًّا وجاهدَ مُسلِما
فإن عشـتُ لم أندمْ وإن متُّ لم أُلَمْ
كفى بك موتًا أن تُذَلَّ وتُرغَما”.
وقد أيّدك الله تعالى بالعزّ والنّصر، فكنت مهندس الانتصارات في لبنان وسوريا والعراق، وشريكًا كاملًا في تحرير الجنوب عام 2000 وانتصار تمّوز عام 2006، وكنت دائمًا إلى جانب المقاومة في لبنان، أخًا لسيّدها ورفيقًا لقادتها ومجاهديها.
أحبّائي،
بعد هجرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة المنوّرة، آخى بين المهاجرين والأنصار. وبعد هجرة الحاجّ قاسم إلى بلاد المستضعفين والمظلومين، آخى بين البلاد العاشقة، والتّراب الصّامد، والزّنود السّمراء، ولكنّه اختار، من بين كلّ من أحبّهم، سماحةَ السّيّد حسن نصر الله أخًا له.
بعد هجرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة المنوّرة، آخى بين المهاجرين والأنصار. وبعد هجرة الحاجّ قاسم إلى بلاد المستضعفين والمظلومين، آخى بين البلاد العاشقة، والتّراب الصّامد، والزّنود السّمراء، ولكنّه اختار، من بين كلّ من أحبّهم، سماحةَ السّيّد حسن نصر الله أخًا له. ووحده السّيّد حسن استأثر في منزل الحاجّ قاسم، من أبناء هذا التّراب الجميل، بصورة كبيرة الحجم، كحبّه الكبير الشّديد له. فقد كان اللّواء الشّهيد يرى في سماحة السّيّد ما رآه عشّاقه من بعيد، لكنّ الحاجّ قاسم عاينه، لأنّ قلبه وقلبَ سماحة الأمين على الدّماء كانا على ميعاد الإخلاص نفسه: لقد رأى فيه الحاجّ قاسم تلك المظلوميّة الكبيرة الّتي نراها اليوم من بعض النّاس بحقّ هذا الشّهيد العظيم.
فإبّان حرب الثّلاثة والثّلاثين يومًا في لبنان، لازم الشّهيد القائد قاسم سليماني الأمين العامّ لحزب الله السّيّد حسن نصر الله والقائد العسكريّ الشّهيد عماد مغنيّة، في إحدى غرف عمليّات الحزب في الضّاحية الجنوبيّة لبيروت. ومع تصاعد وتيرة القصف الإسرائيليّ على الضّاحية، تولّى الشّهيد سليماني شخصيًّا مع الشّهيد مغنيّة إجلاء السّيّد نصر الله من غرفة العمليّات في الضّاحية، وراحا ينقلانه من مكان إلى آخر لتجنّب القصف، قبل العودة إلى مقرّ قيادتهما. وقد بقي في لبنان إلى جانب مجاهدينا الأبطال حتّى نهاية الحرب.
أمّا في سوريا، فكان الحاجّ قاسم يسارع لِلَأم جراح حسناواتها: دمشق، وحلب، وحمص، وحماه… ويدفع عنهنَّ المعتدين، والمغتصبين، والمجرمين. فقد أشرف الشّهيد سليماني على معارك باب عمرو في بداية الأحداث، حيث انهزم المسلّحون في تلك المنطقة الّتي كانت بمثابة غرفة عمليّات معدّة لإسقاط دمشق، كما أشرف على المعارك في ريف حلب، وفي سهل الغاب في ريف حماه، وفي مدينة القصير في ريف حمص، وفي البوكمال في ريف دير الزّور… وإنّ الانتصار الّذي حقّقه الجيش السّوريّ في معركة القصير عام 2013 والّذي كان منعطفًا استراتيجيًّا خلال الحرب في سوريا، ما كان ليتحقّق لولا إشراف وقيادة الشّهيد الحاجّ قاسم سليماني.
وفي العراق، سار سليماني على خطى سيّد الشّهداء (عليه السّلام)، يتبعه حشدٌ من الأصحاب الأبطال الشّجعان غير مبالين إن وقعوا على الموت أو وقع الموت عليهم، مدافعين عن الحقّ، ومردّدين شعار: “هيهات منّا الذّلّة”. فكان للحاجّ قاسم دور مفصليّ في إفشال مخطّط سقوط بغداد، بعدما سقطت مدينة الموصل بيد داعش. وقد شارك اللّواء الشّهيد في العديد من جبهات القتال ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابيّ، منها المعارك الّتي دارت في شمال محافظة صلاح الدّين، وقد كان له دور أساس في استعادة السّيطرة على مدن المحافظة. كما قدّم سليماني مهمّات استشاريّة في معركة استعادة تكريت والفلّوجة في الأنبار، وفي صدّ هجوم داعش على أربيل، وفي تحرير مدينتي جلولاء والسّعديّة في محافظة ديالى، وفي تحرير جرف الصّخر في جنوب بغداد، وفي دفع التّهديد عن النّجف الأشرف وكربلاء المقدّسة، وفي بعض المعارك في سامرّاء…
إنّ أجراس كنائسنا وأديرتنا في سوريا والعراق تقرع شكرًا، وامتنانًا، وعرفانًا للحاجّ قاسم سليماني.
وما قدّمه الحاجّ قاسم للمسيحيّين في سوريا والعراق، لم تقدّمه أيّة مرجعيّة مسيحيّة. فالشّهيد العظيم دافع عن المسيحيّين المستضعفين والمضطهدين في سوريا والعراق، وخلّصهم من أبشع المجازر الّتي ارتكبتها “داعش” والجماعات الإرهابيّة في حقّهم.
إنّ أجراس كنائسنا وأديرتنا في سوريا والعراق تقرع شكرًا، وامتنانًا، وعرفانًا للحاجّ قاسم سليماني.
أمّا على السّاحة الفلسطينيّة، فقد كان لسليماني دور واسع وكبير في مساندة المقاومة والقضيّة الفلسطينيّة، فقدّم كلّ أشكال الدّعم للمقاومين، وركّز الكثير من جهده وجهاده على العمل من أجل إزالة الكيان الصّهيونيّ وتحرير كلّ فلسطين من العدوّ الغاصب الّذي دنّس أرضها، وقتل شعبها، واستباح فيها الحرمات. لقد كانت القدس عاصمة قلبه، ومحراب صلاته، ووجهة جهاده، ونبض مقاومته، فكرّس لها حياته منذ تولّيه قيادة فيلق القدس عام 1998.
أيّها الشّهيد الكبير،
كلّ روضة من رياض أرضنا العربيّة تتمنّى لو كانت لك مضجعًا. وكلّ زهرة من زهور حدائقنا وبساتيننا تشتهي أن تزيّن ضريحك الطّاهر. والأمّة الّتي عرفتك وتعلّمت منك العزّة، والشّموخ، والإخلاص، والشّجاعة تعدك بأن تسير على نهجك حتّى الشّهادة أو النّصر المبين.
فاسمح لي من عليائك، باسم جميع اللّبنانيّين الشّرفاء، أن أشكرك على كلّ ما قدّمته للبنان وللمقاومة، وأن أحيّي محبّتك، ووفاءك، وبطولتك، وإنسانيّتك، وكرمك، وعظمتك، ووقفاتك في الضّاحية والجنوب، وعاطفتك الأبويّة على مجاهدينا الّذين كنت تلتقيهم في ساحات الجهاد.
حاجّ قاسم،
كتبتُ ما أشعر به أنّه حقّ، واعتمدتُ في وصفك على المراجع الّتي وثقتُ بها، وعلى ما أخبرني به أصدقائي المجاهدون في لبنان، وسوريا، والعراق. ولا أقول إنّي اطّلعت على كلّ ما كتب وقيل عنك، لأنّه شيء كثير وكثير. فأتمنّى أن تنال كلمتي هذه القبول منك، أيّها الشّهيد العظيم، عربون حبّ، وتقدير، وإعجاب شديد بإنسانيّتك، وعظمتك، وبطولتك.
/انتهی/
تعليقك